الصين تُشعل سباق التكنولوجيا العالمي: صناعات المستقبل تُعيد رسم خريطة التفوق الرقمي

2025-07-14 12:50 AM

في ظل التنافس المتصاعد بين بكين وواشنطن، تُكثّف الصين جهودها الاستراتيجية لتصبح القوة الأولى عالميًا في مجال التكنولوجيا، وذلك من خلال تركيزها المكثف على ما يُعرف بـ "الصناعات المستقبلية"، وهي قطاعات ناشئة تمتلك إمكانات هائلة رغم أن تقنياتها ما تزال في مراحلها المبكرة. تتبنى الصين نموذج نموّ جديد يرتكز على الابتكار التكنولوجي العميق والترقيات الصناعية الذكية، وهو توجه يقوده الرئيس شي جين بينغ منذ أن طرح مصطلح الصناعات المستقبلية عام 2020. وتشمل هذه الصناعات مجالات واعدة مثل الذكاء المستلهم من الدماغ، وتكنولوجيا الكم، والجينات المتقدمة، والشبكات المستقبلية، والروبوتات البشرية، والطاقة الهيدروجينية، واستكشاف الفضاء وأعماق البحار. تُعد هذه القطاعات جوهر خطة الصين للتحول من اقتصاد قائم على التصنيع التقليدي إلى اقتصاد عالمي يقوده الابتكار، في وقت تسعى فيه بكين إلى تقليل الاعتماد على الغرب وبناء استقلالية استراتيجية في سلاسل الإمداد والقدرات الصناعية. في عام 2024، أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية عن أولويات دقيقة تركز على مشاريع ضخمة مثل الطائرات من الجيل الجديد، ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وتطوير روبوتات تُحاكي القدرات البشرية. مدينة هانغتشو، التي أصبحت تُعرف بوادي السيليكون الصيني، تحولت إلى مركز حيوي للشركات الناشئة المبتكرة مثل DeepSeek في الذكاء الاصطناعي، Game Science في الألعاب، Unitree وDeep Robotics في مجال الروبوتات، BrainCo في تكنولوجيا الدماغ، وManycore في الذكاء المكاني. بحسب تقرير لمورغان ستانلي، تستحوذ الصين على 56% من شركات الروبوتات البشرية المدرجة عالميًا، و45% من مُدمجي أنظمة الروبوتات، وهو ما يعكس هيمنة متنامية في هذا القطاع الواعد. وفي القطاع الحيوي للتكنولوجيا الحيوية، حققت الصين تقدمًا ملحوظًا في علاجات CAR-T، حيث وافقت حتى مارس 2025 على خمسة علاجات، ما يجعلها في المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة. وتبرز شركة WuXi AppTec كلاعب رئيسي في هذا المجال، حتى أن بعض الجهات الأميركية قارنتها بشركة هواوي من حيث النفوذ المحتمل على سلاسل الإمداد الحيوية. تدعم الحكومة الصينية هذه القطاعات بموارد هائلة تشمل التمويل المباشر، وتطوير الكفاءات، وتسهيل الإدراج في بورصات التكنولوجيا، إلى جانب ابتكار أدوات تمويل متقدمة مثل سندات الابتكار والبلوكتشين. كما أطلقت وزارة الصناعة نموذجًا يتيح علنًا تحديد التحديات التقنية الكبرى، ويمنح أفضل الحلول أولوية في التمويل، في محاولة لسد الفجوة الكبيرة في الكفاءات، حيث تعرض بعض الشركات رواتب تفوق المتوسط الوطني بأربعة أضعاف لجذب المهندسين والخبراء. رهان الصين على الصناعات المستقبلية لا يقتصر على الداخل فقط، بل يُعيد تشكيل الخريطة العالمية للتفوق التكنولوجي. فإذا نجحت بكين في تحقيق الريادة في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، فإنها ستُحدث تحولًا عميقًا في موازين الابتكار العالمي، وهو ما يُثير قلقًا متزايدًا في العواصم الغربية التي تخشى فقدان هيمنتها التقنية التقليدية أمام صعود القوة الصينية الرقمية.