الذكاء الاصطناعي بين بناء جيل أكثر وعيًا وصناعة جيل أكثر عزلة
لم يعد رفيق المراهق مجرد صديق بشري يشاركه همومه وأفكاره، بل أصبح في كثير من الأحيان روبوت دردشة مدعوم بالذكاء الاصطناعي لا ينام ولا يمل. هذه الظاهرة التي تتسارع يومًا بعد يوم أثارت جدلًا عالميًا حول تأثيرها في حياة الشباب، فبحسب تقرير صادر عن منظمة Common Sense فإن 72% من المراهقين استخدموا ما يُعرف بـ "رفقاء الذكاء الاصطناعي"، وأكثر من نصفهم يعتمدون عليهم بانتظام، بينما 19% يقضون وقتًا أطول معهم مقارنة بوقت تواصلهم مع أصدقائهم الحقيقيين. هذه المعطيات تفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة: هل يمكن لهذه الأدوات أن توفر دعمًا عاطفيًا حقيقيًا وتخفف الوحدة؟ أم أنها قد تعزز الانعزال الاجتماعي وتدفع المراهقين بعيدًا عن العلاقات الإنسانية؟ الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) بادرت بتشكيل لجنة من الخبراء لدراسة هذه التحولات المعقدة وتأثيراتها، حيث توصلت إلى أن المسألة ليست بسيطة، بل تعتمد على طريقة تصميم هذه الأدوات وكيفية استخدامها. فمن جهة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم المراهقين عبر توفير مساحة آمنة للتعبير العاطفي، وتحفيز التعلم النشط، وإطلاق العنان للإبداع في الفن والموسيقى والبرمجة وحتى تصميم البيئات الافتراضية، لكنه من جهة أخرى قد يقود إلى عزلة اجتماعية، ويعرض المراهقين لمحتوى ضار أو مضلل، بل ويثير مخاوف حول الخصوصية واستخدام بياناتهم وصورهم بطرق غير آمنة. التقرير الصادر عن APA قدّم سلسلة من التوصيات العملية. على مستوى الشركات والمشرعين، طُرح ضرورة تصميم منصات تراعي الفئات العمرية منذ البداية، وتوفير ضوابط صارمة لحماية المراهقين من المحتوى الضار، مع آليات سهلة للإبلاغ وتأكيد أن هذه الروبوتات ليست بشرًا. أما على مستوى التعليم، فأكد التقرير على أهمية إدماج مناهج لتعليم الأطفال أساسيات الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته منذ الصغر، مع تدريب المعلمين على كيفية توجيه الطلاب نحو استخدام واعٍ ومسؤول. ويبقى دور الآباء محوريًا، إذ ينصح الخبراء بتجربة هذه الأدوات بأنفسهم قبل مناقشتها مع أبنائهم، والتأكيد على أهمية العلاقات الإنسانية الواقعية، وتشجيع المراهقين على استخدام الذكاء الاصطناعي في التعلم والإبداع بدلًا من استبدال التفكير النقدي أو الصداقات الحقيقية. كما يجب تحذيرهم من مخاطر المحتوى الضار والمعلومات المضللة والتزييف العميق. الذكاء الاصطناعي يفرض واقعًا جديدًا يتطور بسرعة تفوق الأبحاث، لكن الحل يكمن في التوازن: استخدامه كأداة لتمكين المراهقين وبناء وعيهم، مع الحماية من مخاطره التي قد تدفع جيل المستقبل نحو عزلة رقمية عميقة.