الذكاء الاصطناعي واكتشاف الأدوية.. بين وعود كبرى وواقع مليء بالتحديات
في منتصف العقد الماضي اندفعت عشرات الشركات الناشئة مبشرةً بثورة في عالم اكتشاف الأدوية عبر الذكاء الاصطناعي واعدةً بتقليص سنوات العمل وخفض مليارات الدولارات من التكاليف التي تصل عادة إلى ملياري دولار لإنتاج دواء واحد جديد هذه الوعود جذبت كبريات شركات الأدوية مثل بريستول مايرز سكويب وسانوفي التي سارعت إلى توقيع صفقات بمليارات الدولارات على أمل تسريع إنتاج علاجات أكثر فعالية لكن بعد أكثر من عشر سنوات بدأ السؤال يطرح نفسه أين الأدوية التي وعد بها الذكاء الاصطناعي؟ حتى الآن لم يحصل أي دواء مكتشف بهذه التقنيات على موافقة تنظيمية بينما فشلت الكثير من التجارب الأولى وواجهت شركات رائدة مثل BenevolentAI البريطانية انهيارات مالية بعد أن فقدت أكثر من 99% من قيمتها السوقية قبل أن تُشطب من البورصة وتندمج مع شركة يابانية في مارس الماضي رغم الإخفاقات ظل الحلم قائمًا ففكرة استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية لا تزال تجذب المستثمرين لما يشهده هذا القطاع من بطء وتعقيد حيث ارتفع التمويل المخصص لشركات اكتشاف الأدوية المدعومة بالذكاء الاصطناعي من 30 مليون دولار عام 2013 إلى 1.8 مليار دولار عام 2021 وجاء إطلاق ChatGPT في 2022 ليعيد الأمل وينعش الاستثمارات مرة أخرى مع رهانات على تقنيات أكثر تطورًا وأساليب مبتكرة لتحليل البيانات البيولوجية بينما يؤكد خبراء أن العقبات العلمية ما زالت هائلة لأننا نعرف القليل عن آليات الخلايا الحيوية ما يجعل النماذج الحالية غير مكتملة صعوبات اكتشاف الأدوية ليست جديدة فالقطاع مر سابقًا بآمال كبرى في تقنيات مثل الأحياء البنيوية والكيمياء الحسابية ومشروع الجينوم البشري لكن النتائج جاءت أبطأ من المتوقع الذكاء الاصطناعي يَعِد بقدرة على البحث السريع داخل قواعد بيانات هائلة من الجزيئات لكن العلماء يحذرون من المبالغة لأن التنبؤ بعوامل مثل السمية والآثار الجانبية يظل من أعقد التحديات حتى مع أقوى الحواسيب التحولات الأحدث جاءت مع إطلاق AlphaFold2 من ديب مايند عام 2023 الذي نجح في التنبؤ بشكل البروتينات بدقة غير مسبوقة فاتحًا الباب أمام دورة جديدة من المحاولات كما ظهرت شركات مثل Insitro وRecursion تعمل على بناء مصانع بيانات بيولوجية آلية بحجم ضخم يتيح للذكاء الاصطناعي أرضية أكثر صلابة للبحث فيما يرى خبراء مثل ماكس جادربرغ من Isomorphic Labs أن القطاع بحاجة إلى نصف دستة من الطفرات العلمية بحجم AlphaFold لتحقيق قفزة حقيقية لكن الرهان الأكبر ربما يكون بيد الشركات العملاقة مثل جوجل وألفابت القادرة على الاستثمار طويل الأمد بفضل مواردها الهائلة بينما تعاني الشركات الناشئة من محدودية التمويل والوقت ويؤكد محللون أن هذا السباق قد يستغرق سنوات قبل أن تظهر نتائج ملموسة إلا أن ما يجري اليوم قد يكون البداية لمرحلة مفصلية يتحول فيها الذكاء الاصطناعي من مجرد وعود إلى أدوات عملية قادرة على تغيير قواعد اللعبة في اكتشاف الأدوية وإنقاذ الأرواح