الشرق الأوسط يصنع ثورته التقنية: دول الخليج تستثمر تريليونات لتصبح عاصمة الذكاء الاصطناعي العالمية

في خطوة غير مسبوقة تُعيد رسم خريطة القوى التكنولوجية العالمية، أعلنت دول الخليج العربي – السعودية والإمارات وقطر – عن ضخ استثمارات هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، بإجمالي يتجاوز تريليوني دولار، في مسعى طموح لتحويل المنطقة إلى مركز عالمي متقدم يُنافس الولايات المتحدة والصين في سباق السيطرة على مستقبل التكنولوجيا. هذه القفزة النوعية جاءت مدفوعة برؤية استراتيجية تؤمن بأن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا تقنيًا، بل عنصرًا جوهريًا في بناء اقتصادات الغد، وتعزيز مكانة الدول على الساحة العالمية. وتشير التحركات الخليجية الأخيرة، التي تزامنت مع جولة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في المنطقة، إلى عمق الشراكة الجيوسياسية – والرقمية – بين العواصم الخليجية وواشنطن. السعودية أعلنت عن خطة ضخمة بقيمة 600 مليار دولار، تركز على بناء مصانع ذكاء اصطناعي بقدرة 500 ميغاوات، مدعومة بآلاف الرقائق المتطورة من نوع "غريس بلاكويل"، مع شراكات استراتيجية تشمل عمالقة التكنولوجيا مثل إنفيديا، أمازون، كوالكوم وAMD، وكل ذلك ضمن منظومة المشاريع العملاقة التي يقودها صندوق الاستثمارات العامة، وعلى رأسها مدينة "نيوم" الذكية. في المقابل، تواصل الإمارات ترسيخ ريادتها في الذكاء الاصطناعي، بعدما كانت أول دولة في العالم تُعين وزيرًا للذكاء الاصطناعي. وتُحقق اليوم قفزات حقيقية عبر تطبيق نماذج لغوية مثل "فالكون"، وتطوير منصة "ASK71" في الدوائر الحكومية، إضافة إلى بناء أكبر مجمع ذكاء اصطناعي خارج أميركا بقدرة 5 غيغاوات عبر شركة G42 في أبوظبي. أما قطر، فقد وجهت استثماراتها البالغة 1.2 تريليون دولار إلى قطاعات دقيقة مثل الدفاع والحوسبة الكمومية، وأطلقت مشروعًا مشتركًا مع شركة Quantinuum، إضافة إلى صفقة ضخمة لشراء طائرات بوينغ بقيمة 96 مليار دولار، لتؤكد على رؤيتها التكنولوجية المتكاملة التي تجمع بين القوة الصلبة والتفوق الرقمي. لكن الخبراء يُجمعون أن التحدي الحقيقي لا يكمن في المال، بل في القدرة على خلق منظومات مؤسسية ناضجة، وتوطين المعرفة، وبناء كفاءات بشرية تقود التحول من الاستهلاك إلى الابتكار. فالمعركة الحقيقية في الذكاء الاصطناعي لا تُقاس بحجم الاستثمارات فحسب، بل بقدرة الدول على إنتاج المعرفة، وتوجيه التكنولوجيا لخدمة النمو المستدام. التقديرات تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يضيف مئات المليارات من الدولارات إلى الناتج المحلي الخليجي خلال العقد المقبل، خصوصًا مع وجود شراكات تكنولوجية عميقة مع أميركا، وبيئة خصبة لإجراء التجارب الكبرى على مستوى السياسات والأنظمة. دول الخليج اليوم لا تكتفي بدور المستهلك أو الممول، بل تبني لنفسها موقعًا رياديًا على طاولة قيادة الثورة الصناعية الرابعة، برؤية استراتيجية تنظر بعيدًا في الأفق، وتُدرك أن من يمتلك الذكاء الاصطناعي، يكتب مستقبل الاقتصاد العالمي. وإذا سارت الأمور كما يُخطط لها، فقد نشهد خلال السنوات القادمة ولادة "خط استواء رقمي" جديد يبدأ من الرياض، ويعبر أبوظبي، وصولاً إلى الدوحة – محوّرًا موازين القوة التكنولوجية نحو الجنوب، وصانعًا لعصر جديد تُصبح فيه دول الخليج اللاعب الأبرز في صناعة الذكاء الاصطناعي عالميًا.